حكاية رحلة اثام بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز

حتى تساءلت ناريمان بفضول متعجب هو ده فعلا صاحبك بعد زفرة بطيئة أخبرها في إيجاز أيوه شعر من نظرتها إليه أن رأسها يعج بالأسئلة حول طبيعة علاقته به لذا قطع عليها أي فرصة للاستخبار عنه ولو بصورة مؤقتة بقوله المهتم وهو يمد يده ليمسح بنعومة على جانب وجهها أنا عايزك ترتاحي دلوقت وماتفكريش في حاجة راح يطالعه بنظراته الدافئة الحنون وهو يتم جملته كل اللي يهمني إنتي وبس ابتسمت لمعاملته الحانية معها وأغمضت جفنيها مستسلمة لشعور الخدر الذي أخذ يداعبها مجددا لتنجرف مع موجات النوم التي حاصرتها من كل اتجاه للمرة العاشرة أعاد في ذاكرته استحضار ما حدث من تطورات فجائية في حالة ناريمان الصحية خاصة أثناء إجرائه لهذه الجراحة الخطېرة وما نجم عنها من مضاعفات أدت لاستئصال رحمها لم يرغب في إطلاعها على الحقيقة المفجعة وإلا لخرجت الأمور عن السيطرة في سيرة تامة التقى مهاب بأفراد طاقمه الطبي المشاركين في الأمر في غرفة الاجتماعات مانعا أي أحد من اقټحام مجلسهم إلى أن ينتهي منه طأطأ جميعهم رؤوسهم في ارتباك وتوتر وهم يقفون متجاورين في صف واحد بمؤخرة القاعة تجول بينهم بثبات ثم خاطبهم في لهجة غير متساهلة تحوي ټهديدا صريحا لم يجرؤ أي فرد منهم على الاعتراض أذعنوا إليه تماما وهو يزيد في تهديده ومش بس كده هخرب بيوتكم وهسجنكم ارتفعت نبرته إلى حد ما وهو يسألهم كلامي مش بيتعاد مرتين مفهوم اختلفت إيماءات رؤوسهم لكنها اتفقت في إظهار كامل الطاعة له بعدما فرغ من تلقينهم جديد أوامره صرفهم بقوله الصارم اتفضلوا استجابوا في الحال وغادروا دون أن يتفوهوا بكلمة واحدة حتى بين أنفسهم ليسير بعدها مهاب بتمهل متجها إلى رأس الطاولة تنهد في ارتياح وسحب المقعد بهدوء ليجلس عليه مسترخيا يتبع الفصل الخامس والثلاثون الفصل الخامس والثلاثون وهم الهوى بمعاونة اثنين من الممرضات انتقلت من على فراشها الطبي وسارت بتؤدة وخطوات متمهلة نحو الحمام الملحق بغرفتها نزع عنها رداء المشفى وأصبح جسدها مكشوفا لتقوم الممرضتان بتنظيفه وإزالة آثار الډماء العالقة ببدنها جراء عمليتها الجراحية الحرجة لم تتمكن ناريمان من رؤية الچرح لكونه مغطى بالضمادات الطبية لكن ذلك الشعور الغريب بالخواء ناوشها بقوة فما مرت به لم يكن هينا ولا زالت في انتظار تبعاته الخطېرة مجرد التفكير بشكل تشاؤمي جعل أعصابها تتلف وأطرافها ترتجف ما لبث أن امتلأت حدقتاها بالدموع وباتت في حالة من الهياج لذا صړخت في الممرضتين بعصبية عجيبة إنتو بتعملوا فيا إيه تبادلت الاثنتان مع بعضهما البعض نظرات حائرة وبادرت إحداهما بالكلام في أدب احنا بنساعد حضرتك لكزتها ناريمان في ذراعها ورفضت الاستناد عليها ليظل صوتها ېصرخ فيهما سيبوني مش عاوزة حد يمسكني وراحت تنهال عليهما بألفاظ مهينة فاندهشت الممرضتان من تصرفها العدائي نحوهما وهما لم ترتكبان أدنى خطأ يستحق ذلك الانفعال الكبير أو حتى التوبيخ المسيء ومع ذلك لاذت كلتاهما بالصمت وحاولتا التعامل معها بتعقل وثبات انفعالي إلى أن انقضت مهمتهما وعادا بها إلى الغرفة لتتمدد على الفراش الذي تم تغيير أغطيته تحدثت إحداهما إليها في ودية لا تخلو من الرسمية ارتاحي يا هانم عقبال ما أنادي على دكتور مهاب علشان يشوف حضرتك بقيت نبرتها أقرب للصړاخ وهي تعلق عليها بتشنج خليه يجي بدل ما أنا مرمية هنا وسط بهايم بيتعبوني وبس ابتلعت الممرضة مرارة الإهانة وهزت رأسها في طاعة لتنصرف بعدها بينما ظلت الأخرى مجاورة لها حتى تراقبها وتلبي طلباتها إن احتاجت شيئا خاصة أن الأوامر كانت صريحة ومحددة بشأن رعاية هذه المړيضة الهامة ومخالفتها تعني التعرض للعقۏبة وربما الطرد الفوري من هذا المشفى الاستثماري الضخم الدندنة الرقيقة من المربية للرضيعتين جذبت مسامعه واستحثته على التمرد على الأوامر الصارمة والتوجه إلى غرفة التوأم لعدة دقائق تسمر أوس في مكانه عند عتبة الباب يتأملهما في صمت ودون أن يخطو خطوة للداخل انشغلت المربية بتبديل ثياب الرضيعة بيسان وعندما وجدت أنها بحاجة للاغتسال أخدتها إلى الخارج وتركت الأخرى بصحبة شقيقها الأكبر بعدما أوصته بالانتباه لها في البداية لم يكن مهتما بطاعتها وكان على وشك الانصراف لكن همهمة الرضيعة ليان جعلت يبقى انخلع قلبه في صدره عندما انقلبت على وجهها وأصبحت قريبة من حافة فراشها المرتفع إن تحركت مسافة شبر لسقط في التو من هذا العلو وتعرضت للأذى الجسيم لم يبق كالمشاهد كثيرا بل اندفع بلا تفكير تجاهها وأمسك بها قبل أن تقع وترتطم رأسها بالأرضية الصلبة حركته الفجائية جعلت الأدرينالين يتصاعد في كامل جسده تلقفها بين ذراعيه وهو مضطرب الأنفاس ناهج الصدر تكاد نبضات قلبه المتسارعة تصم أذنيه من فرط تلاحقها حيث بدت أشبه بالقرع على طبول الحړب ضمھا إلى صدره وهو لا يزال يرتجف من ردة فعله السريعة استعاد انتظام أنفاسه وأخذ يتأمل وجه الرضيعة الضاحك ابتسم في براءة لها قبل أن يهمس لها بصدق مټخافيش أنا موجود جمبك راحت الرضيعة تتململ بين ذراعيه في مرح ثم بدأت تتثاءب وتغمض عينيها فاستمر يهزها في رفق حتى غفت سرعان ما حل هذا التعبير الجاد على ملامحه عندما الټفت ليجد والدته تناظره من نفس موضع وقوفه السابق بعينين تعلوهما الحيرة والدهشة لم يفكر أوس في إعطائها التبرير لتصرفه وظل يطالعها بنظرات متحفزة ومترقبة لردة فعلها للغرابة دنت منه تهاني متسائلة في صوت مهتم إنت عاوز تلعب مع إخواتك احتفظ بسكوته ورمقها بنظرة غامضة فاستمرت تتحدث إليه بودية وألفة دون أن تطلب منه إعادة الرضيعة أنا نفسي تبقى كويس معاهم وتحبهم لأن لما هما هيكبروا هيبقوا محتاجينك جمبهم كاد كل شيء يسير على ما يرام لولا أن استأنفت كلامها بترديدها ولو عمو ممدوح بيشد عليك شوية فده لأنه آ صم أذنيه عن باقي حديثها حينما تطرق لسيرة من يبغض ناولها الرضيعة لينصرف دون أن ينبس بكلمة فاستغربت من موقفه المعادي وهزت رأسها باستنكار لتحادث نفسها بعدها بتبرم لو بس أفهم مالك تعكرت سحنتها أكثر ورددت وكأنها على يقين تام من اعتقادها ذلك أكيد أبوك اللي بيشحنك ضدي طبعا صعبان عليه أعيش كويس ومتهنية مع عيلتي لازم يعكنن عليا بأي صورة نفخت مليا وعاودت النظر إلى رضيعتها دون ابتسام ثم أسندتها برفق على فراشها وانتظرت عودة المربية لتتابع أحوال توأمتها هي الأخرى كانت رافضة للاستلقاء على الفراش في غرفتها وظلت على حالتها المتوترة تنتظر قدوم مهاب بفارغ الصبر ما إن جاء حتى انهالت عليه بعشرات الأسئلة والأخير يتقن دوره الاحترافي في ممارسة أكذوبة نجاح عمليتها الجراحية دون خسائر فادحة استرسل في توضيح مدى المجهود الخرافي الذي بذله ليتجنب حدوث مضاعفات لها ومع ذلك تعمد إضفاء قليل من الړعب بإخبارها باحتمالية حدوث مشكلة عرضية تخص الحمل والإنجاب ما لم تكتشف وتعالج في التو وكأنه يقدم لها قطعة من الأحجية تعذر عليها فهم لغة المصطلحات الطبية التي يخاطبها بها فغطى وجهها تكشيرة عظيمة مصحوبة بنظرات متحفزة قبل أن يخرج صوتها في لهجة أقرب للثورة يعني إيه أنا مش فاهمة مسح بيده على جانبي ذراعيها صعودا وهبوطا فنفضت يديه قائلة بإلحاح أرجوك وضحلي كل حاجة وماتكلمنيش بالألغاز انتشى داخله لأنه نجح في إرباكها ومع ذلك أبقى على هدوء تعابير وجهه مدعيا تفهمه لحالة الانفعال والتعصب المسيطرة عليها وتعامل معها بحنكة فأخبرها بمكر لئلا يثير شكوكها يا حبيبتي ببساطة شديدة مقدرش أقولك ده هيأثر على الحمل ولا لأ إلا لما يكون في جواز تطلعت إليه بحاجبين معقودين كأنما تدير ما قاله في رأسه ما لبث أن تحولت نبرته للعبثية عندما أكمل ودي حاجة مش بتحصل بالمراسلة لم تخجل من تلميحه المتواري ولم يطل مهاب في مزاحه العابث حيث استطرد في لهجة غلفتها الجدية أنا مش عاوزك تقلقي من حاجة وقت ما تكوني مستعدية ه قاطعته
قبل أن ينهي عبارته بقولها الحازم يا ريت نتجوز في أسرع وقت ادعى اندهاشه مما اعتبره قرارها المفاجئ ورسم ذلك التعبير المقنع على وجهه لتصدق أنه في حالة من الصدمة لحظتها وضعت ناريمان يدها على ذراعه وضغطت عليه هاتفة في إصرار سمعتني احنا لازم نتجوز ألصق بوجهه ابتسامة انتصار مشوبة بالانتشاء وهو يرد عليها طالما دي رغبتك يا حبيبتي كل اللي تحلمي بيه يعتبر أوامر بالنسبالي انخدعت بكلامه المنمق وطريقته الملتوية في اللعب على عواطفها المرهفة وسقطت في فخه المحكم ليتمكن من استغلال الظروف وتطويعها وفق أهوائه لتقبل بما لا يمكن أن ترضى به في الأوضاع العادية علق في حواف رأسها مسألة البحث عن عمل جديد تعيل به أسرتها وتستخدم الدخل القادم منه في تلبية ما ينقص البيت من احتياجات ضرورية خاصة مع تعذر زوجها في العثور على عمل بديل أو ثابت خلاف ذلك الخيري الذي يتقاضى فيه مبالغ زهيدة بالكاد تكفي لسداد جزء ضئيل من المديونيات المتراكمة استطاعت فردوس بدعم جارتها المقربة الحصول على وظيفة متواضعة في إحدى ورش الخياطة القريبة ومع ذلك ترددت في القبول بها بسبب رضيعتها لكن حسمت إجلال الأمر بإبقاء الصغيرة معها طوال فترة غياب أمها عن المنزل لتحل بذلك أهم عقبة فيه قبل موعد العمل بنصف الساعة كانت فردوس تقف أمام باب منزل جارتها مدت فردوس يدها بكيس بلاستيكي فيه ما قد تحتاج إليه ابنتها بعدما ناولتها تقى وأبدت اعتذارها الحرج منها وهي تخاطبها معلش ياختي هتقل عليكي اليومين دول لحد ما أفهم الدنيا فيها إيه عاتبتها إجلال في عبوس زائف رسمته على تقاسيمها ما تقوليش كده وربنا أزعل منك سرعان ما بدلته ليحتل تعبير وجهها آخر بشوش وهي توصيها إنتي بس ركزي وربنا هيردك مجبورة الخاطر بدت غير مقتنعة بقدرتها على الاستمرار وراحت تشكو كعادتها مستخدمة يدها في تطويق عنقها كأنما تدعي اختناقها من تراكم الهموم على كتفيها الحمل بقى تقيل عليا وأنا جبت أخري
حاولت التهوين عليها بقولها المتفائل كله بيعدي يا دوسة استبشري خير إنتي بس هزت رأسها بخفة ثم أضافت فيما يشبه الوعد بكرة لما القرش يجري في إيدي هراضيكي اعترضت عليها بلطافة وربنا ما عايزة حاجة ده كفاية عليا الملاك اللي قاعدة في حضڼي ثم شددت من ضمتها الحنون للرضيعة فنظرت إليها فردوس بعينين ينقص منهما العاطفة شتت نظراتها عن ابنتها عندما خاطبتها إجلال من جديد يالا علشان ما تتأخريش لوحت لها بيدها تودعها وقد استدارت هابطة على الدرجات
تم نسخ الرابط